الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في لقاء "المدينة الفاضلة" بفضاء التياترو: السياسة والدين على محك الأديبين شكري المبخوت وحسن بن عثمان

نشر في  17 نوفمبر 2014  (17:59)

قرابة العشر سنوات من العمل المشترك في مجلة "الحياة الثقافية" جمعت الأكاديمي شكري مبخوت بالروائي والإعلامي حسن بن عثمان. حول هذا المسار المشترك وحول إصداريهما الأخيرين، استضاف فضاء التياترو أوّل لقاءات «المدينة الفاضلة» التي جمعت كاتب "الطلياني" بمؤلف "الرواية الزرقاء" وذلك تحت إدارة الإعلامي ناجي الخشناوي.

اعتبر ناجي الخشناوي في مقدمة اللقاء أنّ السياق العام الذي كتب فيه المبخوت رواية «الطلياني» يتقارب من سياق «الرواية الزرقاء» لحسن بن عثمان، فرواية بن عثمان فجّة وقوية وتعبر عن اللحظة الراهنة بعد 14 جانفي، بينما يرجع المبخوت في «الطلياني» لفترة الثمانينات مسلطا كاشفه الضوئي على التفاصيل الخاصة بتلك الفترة.

وذكّر الخشناوي بمؤلفات الضيف الذي جلس على يساره أي حسن بن عثمان ومنها «عباس يفقد الصواب» و«لا فوق الأرض ولا تحتها» و«ليلة الليالي» و«شيخان» فضلا عن حواراته الشهيرة ومنها بالخصوص مقابلاته مع الأستاذ عبد الرحمان الهيلة رحمه الله ومحمد الطالبي. أمّا الضيف الذي جلس على يمينه فهو الأكاديمي ورئيس جامعة منوبة شكري مبخوت الذي كتب عدة مؤلفات نقدية منها «سيرة الغائب» و«جماليات الألفة» و«الاستدلال البلاغي» وغيرها.

حسن بن عثمان: «الرواية الزرقاء» تشبه «للزروقية» التي عشناها بعد الثورة 

في البداية، ألقى الخشناوي الكرة في ملعب بن عثمان الذي قال إنّ لفظي "شكري" و"المبخوت" جذباه قبل أن يتورط معه في كتاب «عيال الله» وهو حوار مطوّل ودقيق واستثنائي أجراه صحبة المبخوت مع المفكر محمد الطالبي الذي كان آنذاك رئيس اللجنة الثقافية الوطنية، وبصدور الكتاب طُرد الطالبي من منصبه بعد أن زعمت السلطة أنّه انتقد محمد مزالي.

ثمّ انتقل بن عثمان الى تجربة ملحق «ورقات» لجريدة الصحافة، وقد التقى في تلك الفترة مع توفيق بكار وشكري مبخوت، وعلّق بن عثمان قائلا إنّ مدير مؤسسة لابراس المرحوم محمد محفوظ كان «يحميهم» وصدر آنذاك 111 عددا من «ورقات».

بعد ذلك غادر الثنائى المبخوت وبن عثمان جريدة الصحافة نحو وزارة الثقافة حيث أشرفا معا على مجلة الثقافة "الحياة الثقافية" التي أسّسها المسعدي وكانت المجلة تصدر بشكل غير دوري، وتمّ آنذاك اقناع وزير الثقافة صالح البكاري بإصدار المجلة شهريا، وصدر منها 100 عدد في 10 سنوات. ثمّ غادر شكري مبخوت المجلة إثر تحصله على شهادة الدكتوراه سنة 2001 وبعد ظهور اسمه على رأس عريضة كتبت لمساندة المسرحي توفيق الجبالي واعتبرت مناهضة لوزير الثقافة عبد الباقي الهرماسي.

وبخصوص رواية "الطلياني" التي صدرت مؤخرا عن دار التنوير، اشاد بن عثمان بقدرة المبخوت على السرد التخيلي الذي يتحرك بين الأحداث والأشخاص لافتا الانتباه الى حسن تطرقه الى التفاصيل غير المتداولة للوسط الجامعي في الثمانينات وإلى عالم الصحافة بخصوصياته فضلا عن الجانب الإروتيكي.

وواصل حسن بن عثمان التعليق على رواية الطلياني قائلا: «هناك شيء ما فجعني في مؤلف المبخوت، ففيه إندفاعات بعيدة عن «الكرسي الأكاديمي» للمبخوت... إنّ الكتابة الأدبية كتابة خطيرة ربما تأخذ صاحبها الى مآخذ لا يتوقعها». وذكر بن عثمان أنّ «الرواية الزرقاء» تشبه «للزروقية» التي عشناها بعد الثورة مستشهدا بعدد من الأحداث السياسية التي عرفتها تونس منذ 14 كغزوة المنقالة والتهديدات بالقتل ومتسائلا: «ما معنى أن تُفتش في إيمان الآخرين». وما معنى أن تقوم بحرب بإسم مبررات دينية»؟

شكري المبخوت: البعض يريد فسخ 60 سنة من تاريخ تونس، وهو موقف مجنون لا مستقبل له الا الاصطدام بجدار

ثمّ عادت الكرة الى ملعب المبخوت الذي تحدث عن بن عثمان قائلا إنّه شخص "مجنون" بالمعنى الإيجابي للكلمة بحكم عيشه في وسط ثقافي متحرر من أي قيد ممكن. وقال إنّ علاقته ببن عثمان تحمل جوانب التلاقح مع الوسط الثقافي الذي يشكو من العيوب والتعفن. كما ذكر المبخوت أنّ صديقه مثّل نافذة دخل منها لعدة عوالم ومنها الصحافة.

وفي تقييمه "للرواية الزرقاء"، ذكر المبخوت أنّ ما ورد فيها حقيقي أكثر من الواقع وتشعباته. واعتبر المبخوت أنّ العمل الروائي بصفة عامة عمل خطير يتطلب تجربة حياتية وأنّ ما لفت انتباهه في "الرواية الزرقاء" هي المسألة الدينية بعد 14 جانفي بين تجار الدين والانحراف عن المقاصد الأولى عن المطالب التي ثار من أجلها التونسيون.

واعتبر المبخوت أنّ في الرواية روايتان، الأولى تتطرق لهؤلاء الذين يعانون القمع، ويذهب بها حسن الى آفاق بعيدة، أمّا الرواية الثانية فتحاول تتبع مسار الحركة الإسلامية العائدة من خلال تفاصيل دقيقة وموثقة مثل التفجيرات والتهريب ووفاة الطالب البختي، وقد ركّب بن عثمان هذه الأحداث على حكايته الأولى. غير أنّ المبخوت ذكر أنّ هذا التراكم أقلقه لآنّ الحديث عن الثورة وحيثياتها مازال يحتاج إلى شيء من الوقت لصياغته روائيا.

ولاحظ المبخوت أنّ المسألة الدنية والنفس الديني ومحاورة المتن الديني حاضرة في كل روايات بن عثمان، فحسن مهموم بالإشكال الديني (وبالجانب المقدس) ورواياته تعبر عن ذلك. وقال المبخوت إنّه رغم الجانب الواقعي "للرواية الزرقاء" فإنّها تطرح الجانب الميتافيزيقي أي الأسئلة الكبرى للإنسان المسلم اليوم وتتطرق إلى معنى الروحانيات في السياق الحالي. وذكر المبخوت أنّ ما تناوله حسن بن عثمان في روايته يعكس صورة المكبوت الديني والإسلام السياسي.

أمّا بخصوص ما جاء في "الطلياني"، فقال المبخوت إنّه رسم البذرة الأولى لانقسام المجتمع التونسي وإنّ ما يحدث الآن ليس الا استعادة في ضرب من الدورية في فترة الانتقال من العهد البورقيبي الى النوفمبري. وأضاف المبخوت أنّه ليس من باب الصدفة أنّ هناك من يريد فسخ 60 سنة من تاريخ تونس، وهو موقف مجنون لا مستقبل له الا الاصطدام بجدار لأنّ الثقافة التونسية أعمق وأمتن مما يعتقدون ولأنّ أفكار سيد قطب أو حسن البنا من جهة وأفكار ماركس ولينين من جهة أخرى لن تغيّر في الثقافة التونسية.. فعلى كلا الطرفين أن يفهم طبيعة المدّ الإصلاحي التونسي لأنّ القضية أبعد من تطلعات اليسار والإسلاميين، مشيرا الى أنّ ما نشهده اليوم فيه الكثير من الممكنات التي نرجو أن لا تكون نتيجتها 7 نوفمبر جديد.

 

 

شيراز بن مراد